مسافرة فوق الخطوط

مسافرة فوق الخطوط

ـ أختاه :
يرن الصوت في الفضاء ويسقط ، تبتلعهُ الرمالُ.
ـ أختاه ..
أهرول حافية فوق الصخور المنسحقة، ريقي جاف ، ألهث .. تلفني الجبال في دائرة لا أرى ما خلفها، يشتد أنين الصوت .. ينمو عذابي واختناقي .
أقفز من فوق سريري وعرقي يتصبب فوق جبيني :
ـ أخي في أزمة .
= ……………… !!
ـ ما كان حلماً .. بل نبوءة ..
= ……………… ؟
ـ ليس لدي سوى عنوان .. حروف لمكان بعيد غريب يقطنه أخي منذ سنوات.
= ………………… !
ـ أأنتظر ليطلبني ؟ هل أحتمل ؟ .. لا .. لن أستطيع .
ضممتُ خوفي لأضلعي ، فتشت في أرقام الهواتف ..  حدثتُ كل المغتربين إلا هو.
يتكرر النداء .. يرن الهاتف :
ـ أخي أنت في محنة ؟
= من أخبرك ؟
ـ لا أحد ..
قطع الاتصال .. والأمل في إجابة باقي سؤالي، وضعت السماعة .. صائحة:
ـ سأسافر !!
= كيف ؟! والتأشيرة ؟
في السفارة ، ينطقون العربية، يصلون مثلنا، ما ينبض في جنوبهم أفئدة .. ضمني الخوف إليه ساكنة، أنتظر المرور من هذا الباب المصنوع من خشب بلادي، تلاقت عيناي مع أعين الحارس وهو يفتح.. وراء الباب أرض  إسفلتية، تطبطبُ على قدمي مشفقة على خطواتي القلقة، امتد انتظاري للإذن بالمرور من البوابة الثانية الحديدية.
ـ تفضلي.
دولة داخل دولة يسمونها سفارة .. سأحاول !!
ـ أريدُ الذهاب لرؤية أخي.
= "ما يخالف" لا بد من محرم.. أنت صغيرة.
ـ وهو صغير .. لا يملك صدراً يحميه .. مصاب في حادث ، سأكون برفقته .. ويكون محرماً لي .
= " ما يصير "
ـ مبدأكم مخالف، نساؤكم في بلادنا بلا محارم، المبدأ ليس ديناً بل قانون، تسمحون به لأنفسكم وتحرمونه علينا.. نستقبلكم في كل ساعة لا نشترط .. نبيعكم أرضاً ودوراً بلادنا بلادكم
تجمدت الحروف والنظرات حملتني ذرات تراب بلادي خارج البوابة.. تذكرته ونحن صغار يوم أصيب بالحصبة لم يمنعني أحد من النوم بجواره.. ضحك أبي وهو يهز رأسه :
ـ دعوها .. حتماً ستصاب.
الفرق عامان بيننا .. يومان يكفيان لأشعر بالأمومة تجاهه ، فصلونا ببقع من الحبر الأسود تسمى تأشيرات..
فوق الأرض الإسفلتية وبالطباشير أخطُّ مسافات وحدوداً رسمت الطريق وضعت البلدان فوقها بلا سدود، رسمت الحافلة، الطائرة، الباخرة، رنة ضحكته في أذني يوم جلس يعلمني لعبة (السيجا) و(الحجلة) التي نقفز عليها بقدم واحدة بين الخطوط ونستريح عند الوصول.
قبضت يدي على الطباشير ، ألقيت حقيبتي، قفزت بقدم واحدة، ثم بالقدمين، ركضت فوق الخطوط بلا حدود أو سدود، حملتني الحدود للسدود، في نهاية رحلتي رن الصوت بداخلي.
قبضت الهواء بيدي ، جحظت عيناي :
ـ أنا عائد شقيقتي في الصباح على خطوطك البيضاء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق