لسان!!
هدأ الليل ، توسد القمر قلب السماء ، غلفه السحاب الرقراق ، شح الضوء المسكوب فوق البسيطة ، نام الخلق إلا عيون عبد القوى ، ظل يركض منذ أول الليل خلف الضفادع يهمس لها : يا ضفدع يا بنت ضفدعين .. ردى على "عبده" المسكين أم أنك تفضلينه من الطين .
يمد يـده فى المصرف يصطاد قرموطـا يحاول التملص ، يتكوم بجوار الشادوف يبكى :
- يا مسكين آكل القراميط لا الضفادع .. هم يحبونها ، أنا أكرهها كراهيتى لزمن مسيلمة .
يصيح : مسيلمة نبيكم ولحمنا طعامكم
يعلو صوت بكائه ، نغلق علينا دورنا نحاول النوم .
عبد القوى من بلدتنا ، ولدنا وهو موجود والناس تموت .
جلبابه بلون الأرض ورأسه مجدب ، وذقنه شعثاء . يقتات مع صيد الماء حشائش الأرض. نفسه تعاف خرج البيوت وهباتها. ينام على رأس البلدة ، يتوسد ذراعيه، يتغطى بعيدان من قش الأرز ، عيناه ضيقتان ثقابتان ، صوته الجهورى يخترق الصدر.. يسكن فيه .
قليلون من يحاولون التقرب والحديث معه ، يخافون جرأته .
ليلة .. طرق باب مجاهد بعد عودته من العراق صائحا :
- الغربان أكلت فخذى زوجتك يا مجاهد وأنت فى الغربة تجاهد .
زوجة مجاهد كادت تسقط وهى تستحم، لملمت فخذيها قبلت رأس زوجها منعته من الاعتداء عليه ، ولم تخرج من دارها حتى سافر ثانية .
حول راكية النار ، حكايات وأقوال ، عبد القوى فاكهة السهرات .
تمر الليالى ولسانه فى القرية يسعى ، علقت به عبارة واحدة يصيح بها كل مساء ( كيفما تكونوا يول عليكم). تطوع أبناء البلدة المتعلمون بكتابتها أينما يأمرهم عبد القوى. على حائط الجمعية ، المستوصف ، المدرسة ، دوار العمدة .
اجتمع الناس لأول مرة يفكرون فى عبارة المجذوب الذى لم يعد ينطق غيرها ، نسى اللصوص والعاهرات .. لم يعد يعلق عليهم..فقط هذه العبارة
تمر عبارته ليلا ، فى الصباح نجد المصارف مليئة بالكيماوى الفاسد ، وبقايا الأوراق المحروقة لأرقام لا نفهمها .
ضقنا بصراخه ، وضاق بنا .
برزت عظامه ، جحظت عيناه ، نقش داخلها (كيفما تكونوا يول عليكم) . فجأة دوت صرخة:
عبد القوى راقد فى البركة ، ولسانه مقطوع.. ملقى فوق الأرض.
حاولوا دفن اللسان مع جثة صاحبه ، كان قد التصق بالأرض ، نبتت جذوره وامتدت تسعى تحتها.
أقاموا فوقه ضريحا من طين ، البعض يراه يتحرك فى المساء
والآخرون يؤكدون أنهم يسمعون صوت صراخه فى الليل (كيفما تكونوا …
1/3/2001
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق