ربع رجل

ربع رجل
 زارتنى إحدى عشيقاته القديمات، طرحت أمامى براهين خياناته لنسائه، شرحت لى مفاتح اللعبة التى يلعبها مع كل امرأة، فإذا وقعت بين مخالبه، مارس معها فنون انتقامه.
الحقد يرسم خطوطا سوداء، يتشكل مع الامتقاع البادى على وجهها وهى تصف تفاصيل انتقامه منها.
غبت خلف الصمت، تركبنى اللحظات، تقفز بى عبر الأيام التائهه فى سنوات عذابات الحب، ذكرتنى نظرتها الحاقدة بأول أبامى فى العمل:
- أنا المتدربة الجديدة.
أجلسنى بإشارة من يده التى عشقتها فيما بعد وهى تداعب يدى، شعرى، تهدهدنى، سمعت لمزات زملائه:
- حظه من نار .. كل المتدربات يصلن إليه أولاً .. هه .. أرزاق.
تغاضيت عما سمعته .. لعله الحقد، همست لى إحدى زميلاتى:
- إنه لايصادق إلا البنات، ولابد من وضع بصمته على حياتهن. ابتعدى، أنت مأخوذة به.
انظر فى وجه "وفاء" الآن ..
إنها تتحدث مثلها، أزعجتنى نبرات صوتها التى احتدت وهى تقول:
- لم أندم على شىء سوى ضياع سنواتى، وأنا أتوهم حبه، ما وهبته سوى حبا نقيا .. لم يكن يريد إلا جسداً، كأنه دراكولا ،  يجدد شبابه بمص دماء الحسناوات.
تدفعنى دقات قلبى لنبذ كلامها، ألا تعلم أنه صار نبعا أستسقى منه لنبتتى الجافة ، أى سم تريد دسه فى خلاياى لقتل أيامى الباقية بحبه .. هل يتركنى لدمية جديدة ؟!
كان كثيرا ما يطرح ماضيه أمامى، ذكر كل علاقاته بالأخريات، أكد أننى مختلفة، لحظات عطفه وشغفه، ضحكته كطفل برىء لا يحمل هموما أو ذنوبا، قدم كل ما يملك من عطاء، لم يطالبنى بثمن لما يهبه لى من أيام عمره.
علا صوت الزائرة الثقيلة بنبرة غلفها الغل:
- كان استغلاليا .. صلفا، كنت فريسة سهلة له .. صدقينى، أنا أيضا امتلكنى فى سرعة غريبة، كان يدربنى.
تغضن وجهى، تتفتت خلايا قلبى، لم يبق فىَّ إلا حشاشة، عرف الخوف طريقه لعينى التى ما عرفت إلا الألق منذ رأيته .. فليكن، لعلى أكون الفريسة الوحيدة التى تخيرت الشرك لتقع فيه .. فشلت فى خطبتين ونصف زواج، لم يستمر سوى شهرين، وكأنى نصف امرأة، معه شعرت بأنى مكتملة الأنوثة، الغزل من فمه له طعم بليل، فتحت له كل يوم نافذة من نوافذى المؤصدة .. أوصدت أذنى عن الحاقدين منذ عرفته، مالى لا أقوم بطردها .. الآن نظرتها متوترة، لو دخلت لأعماقها سأجد ليلاً بهيما، بقايا احتراق لنفس كارهة.
فى فحيح كمن ينفث نارا:
- كل فرحة غصت بحلقى منذ عرفته .. عشت أيامى ضائعة، مجنونة به.. أطارده كى أحرمه النوم، أذكره بعذابى وحبى، ويرفضنى فى صلف وجلافة.
 إنسلت واقفة لأقدم لها عصير ليمون كواجب ضيافة، عله ينهى سخافة اللقاء، أفكارى تنعصر كالليمون فى يدى، كيف أحتمل افتراءها..؟ إن وهج الحب يصهرنى معه كيانا واحدا، صرنا جذوة عشق .. سألته يوما ..
-       هل تحبنى ؟
كانت عيناه تبتعدان خلف علامات الأسى والندم .
- ما أحببت سواك، كنت فى رحلة بحث عنك .
- ومتى عدت ؟
- يوم وجدتك ..وجدتنى ، امتنعت عن كل ما تكرهين ..هل تصدقين ؟!
أفقت على صرختها:
- أنت لا تصدقين ؟!
- قص على كل ماضيه ..
- لتعلمى أنه رجل ممزق من امرأة أولى بحياته، لفظته لآخر .. هو ينتقم منا، يحطمنا.
تتحدث كموتورة، مطعونة فى كبريائها، نظرت لها، وهى ممسكة برأسها ..
قالت بنبرة يكسوها الهم:
- لعله لم يصل معك لنهاية العلاقة .. فما أن يصل سيركلك مثلما فعل معى، سيحاول ويحاول ..وعندما تصلين للنهاية والمتعة معا.. سيتأكد لك ترسخ كرهه لكل امرأة حتى وإن كانت أمه..لم تعد النساء يحركن لديه عاطفة، لا يرى منهن إلا ما يحرك شهوته.. إنى أكرهه، بنذالته، ونجاسته، لم يعد بنظرى سوى ربع رجل .. هل تفهمين ؟ ربع رجل.
تركتنى .. صدمنى حوار العاشقة المهزومة ..
ألقى بها خارج مملكته بعد أن أجلسنى على عرش مشاعره ..
هل حقا أحبنى ؟ أم أننى كنت ندف الثلج فوق سعير رغباته وتجاربه فاستكان لحنانى ؟!
ذهبت إليه أجرجر فشلى السابق .. خوف عات .. هل عرف مواطن ضعفى ؟ هل تنبأ بما يكفى عن قلبى الجديب ؟ جلست واجمة خرساء.
مزق بصوته صمتى، هم بذبح الحزن من عينى، بحت بما حدث.
ضمنى لعينيه، نفض عنى علامات الخوف، قربنى لأنفاسه الساخنة، لشفتيه الملتهبتين، وبنظرات احتواها الندم:
هل تقبلين ربع رجل ؟ .. زوجا لك، دعينى أتطهر بك من آثامى، أغسل ذنوبى فى ومض عينيك، أرتوى، أكبر من رضاب شفتيك، أصير رجلاً مكتملاً لك وحدك .. لا أملك إلا هذا الربع الطاهر أهديه إليك، منذ عرفتك، ذبحت قلبا متقلبا قربانا لحبك، صلبت رجلا دنسته آثامه ورعونته، صدقت تلك البلهاء الملعونة .. لا أملك سوى ربع رجل نظيف..هل تقبلينه ؟
ارتشفت دمعاتى ، اقتربت، أمسكت أذنيه، جذبته:
- كم تمنيت أن أكون أما، لكنى ما تخيلت أن يكون ابنى فى الأربعين من عمره .. ولتعلم ! سأربيك بحزم .. فلا تخطئ، ضممته لصدرى، أعد السنوات ليكبر فيه، أحميه بعيون حبيبة وقلب أم.
                                                                        يناير 2000




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق